(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
أمضى الستيني الدنماركي إريك 17 عاماً من عمره مشرّداً في شوارع كوبنهاغن، إذ تقدم به العمر، “ولم يعد له من مخرج ينجيه من حياته البائسة، غير أن انضمام شبان جدد إليه وإلى زملائه من المسنين هو أكثر ما يؤلمه”، كما يقول بينما يجرّ عربته المضاءة بزينة العيد وأشكال “تعبّر عن فوضاه الخاصة”.
ويبدي إريك اندهاشه من تجاهل بلده له ولغيره من المشردين من الشباب والشيوخ وتركهم بلا مأوى، يعانون من مشاكل صحية ونفسية، في الوقت الذي حلّت فيه الدنمارك في المركز الثاني لتقرير السعادة العالمي (مقياس تنشره شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة The Sustainable Development Solutions Network) لعام 2017، بعد أن سجّلت مستويات عالية في مجموعة من العوامل التي تلعب دوراً رئيسياً في السعادة، مثل الاهتمام، والحرية، والكرم، والصدق، والصحة، ومستوى الدخل، وسياسات الدولة، بينما تراجعت الدنمارك إلى المركز الثالث في تقرير عام 2018 الذي يصدر كل عام في 20 مارس/ آذار الموافق ليوم السعادة العالمي الذي أعلنته الأمم المتحدة.
ويعد إريك واحداً من بين 6635 حالة تشرّد مسجلة في الدنمارك خلال عام 2017، وهو ما يزيد بنسبة 8% عن عام 2015، إذ كان عدد المشردين 6138 شخصاً، 27% من بينهم في الفئة العمرية بين 25 و29 عاماً، وفقاً لبيانات مركز البحوث والتحليل وعلم الرفاهية.
وبالقرب من إريك يتحرّك بعض من رفاقه، يجر أحدهم عربته المحملة بأغراض وأكياس بلاستيكية، ويتكئ آخر على الأرض وأمامه إبريق قهوة معدني أزرق يعود إلى بداية القرن الماضي، ينتظر أن يضع فيه المارة نقوداً معدنية مساعدة له، فيما يسير آخرون وهم يحملون حقائب ظهر كبيرة، وأكياس نوم، وتتبعهم كلابهم، تقابلهم فرادى أحياناً، وجماعات في أحيان أخرى، ويجلسون أغلب الأحيان في مجموعات تأخذ مكانها صيفاً على ضفاف نهر وسط المدينة، أو قرب كنسية تقدم وجبة، بحسب مشاهدات معدّ التحقيق في كوبنهاغن وآرهوس ثاني أكبر مدن المملكة التي تقع شرقاً وأودنسة ثالث مدن الدنمارك التي تقع في الوسط.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
تزايد عدد الشباب المشردين
تشهد شوارع كوبنهاغن زيادة في عدد ونوعية المشردين، خاصة من الشباب، حسب ما قالت المرشدة الاجتماعية في منظمة الصالون الدافئ التي تعمل لتقديم المساعدة للمشردين في كوبنهاغن انغريد كريستيانسن، والتي تعمل متطوعة في إحدى كنائس منطقة فيستبورغ في كوبنهاغن، مضيفة لـ”العربي الجديد”: “نرصد تزايد عدد المشردين من الدنمارك ومن الأقلية الغرينلاندية الذين يعتبرون دنماركيين بحكم وقوع جزيرتهم “غرينلاند” تحت حكم مملكة الدنمارك و”الغجر الرومانيين” الذين يقيمون بشكل غير قانوني، وقد توفي بعضهم بسبب التشرّد والإدمان والإهمال الطبي، وهؤلاء ليسوا جميعاً من الدنماركيين، لكن الإحصاءات لا تفرّق في أصل المواطنين لدى رصد هذه القضية”.
وزادت نسبة الشباب المشردين في مدينة آرهوس إلى 185% خلال الفترة ما بين عام 2013 وحتى 2015، بحسب الموظفة الاجتماعية في مركز “ساند” (اختصاراً للمنظمة الوطنية للناس بلا مأوى) رو ليندكيير، التي قالت لـ”العربي الجديد” إنها “وثقت حالات عدد من الشباب المتشردين الذين لا يملكون مالاً كافياً لدفع أجرة السكن، ليجدوا أنفسهم في الشارع بلا مأوى”، مضيفة أن هذه المشكلة ستبقى قائمة طالما أن مسألة الإسكان لم تحل، فلا يمكن حل مشكلة دون أخرى، إذ لا يكفي أن تضع شخصاً في إحدى غرف السكن المشترك، بدون برنامج للحياة، ولا يكفي أن يكون لديك برنامج بدون سقف يأوي إليه المشردون.
ويوصف الشباب المشردون في النظام الاجتماعي الدنماركي بـ”من سقطوا من نظام الرعاية”، وهؤلاء يعانون من غياب تأمين غرف سكنية لهم، وفق ما وثّقه معد التحقيق عبر خمسة شباب مشردين في المدن الدنماركية، ومنهم العشريني كلاوس، الذي يعيش منذ عامين ونصف العام بلا مأوى في العاصمة كوبنهاغن كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفاً بنبرة انتقاد حادة: “الدولة الدنماركية تدفع بطلاب دنماركيين إلى التشرد في الشارع بدون سكن”، ويتابع “أنا لست ضد مساعدة الآخرين، أو استقبال من يحتاج إلى الحماية من اللاجئين، لكن المشردين بحاجة إلى المساعدة، وعلى الدولة أن تفكر ملياً في بناء سكن طلابي لهؤلاء قبل أن يصيروا إلى ما صرنا نحن عليه”.
ويُثير تزايد نسبة التشرد في الفئة العمرية ما بين 18 عاماً و29 عاماً قلق المختصين والناشطين الاجتماعيين، إذ يعيش ثلث هذه الفئة بدون أي تواصل مع شركات الإسكان الشعبي، وثلث آخر يتلقّى دعماً من الموظفين، فيما ترتبط أقلية صغيرة بمشاريع دعم تعليمي للخروج من حالة التشرد، وفقاً لتقارير وزارة الشؤون الاجتماعية ومراكز رسمية متخصصة، ومن بينها مركز “ساند”، كما يقول الباحث المختصّ في ظاهرة التشرّد بالمركز كارستن سورنسن، مؤكداً رفع تقارير وتوصيات عمل إلى الجهات الرسمية حول تطورات تلك الظاهرة، وتابع لـ”العربي الجديد”: “المشكلة تهدّد المواطنين، خصوصاً الشباب منهم”.
ناصر السهيلي- العربي الجديد
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});